في الزاوية الـجنوبية من البقاع تقوم بلدة صغيرة كان سكانها فيما مضى يحصّلون معاشهم كعادة أهل البقعة من الفلح والزراعة، وكان مستوى معيشتهم منخفضاً وحياتهم هادئة تـجري مجرى واحداً مستمراً.
هذه البلدة هي مشغرة. وهي مرتفعة قليلاً عن مجرى النهر. وفي إحدى الفرص السانحة رأى بعض سكان مشغرة أن يعمد إلى الصناعة مستفيداً من مجرى النهر فأنشأ مدبغة لدبغ الـجلود فأصاب نـجاحاً، وسرعان ما تنبَّه أهل مشغرة إلى فائدة الصناعة وأقبلوا عليها، وفي مدة قصيرة تـحولت مشغرة إلى بلدة صناعية من غير مشروع الـخمس سنوات أو «بياتيلتكا».
ومشغرة اليوم أهم مركز صناعي لتحضير الـجلود ودبغها في لبنان. وهذه الصناعة قد برهنت على أنها تأتي بنتائج حسنة وتسد حاجة واسعة ويـمكن الاعتماد عليها في التبادل الـخارجي، فهي نقطة هامّة في الاقتصاد القومي.
وقد أعطت مـمارسة هذه الصناعة نتائج مفيدة لأهل مشغرة. فزال الـملل من الـحياة البطيئة، وحلّ محله النشاط الصناعي واتساع الأفق في العلاقات الاقتصادية الـمسببة عن ضرورة الاستيراد والتصدير. وارتقى مستوى معيشة السكان ووجد عمل يقوم بأود عائلات عديدة.
من الغريب أن تكون هذه خطورة مشغرة في الصناعة والاقتصاد القومي ولا يكاد يعرف هذه الـحقيقة سوى تـجار الـجلود. ومن الغريب أن تكون مشغرة قد أصبحت بلدة صناعية رئيسية في لبنان، ولا تلاقي أي تشجيع لاطراد نـجاحها بتسهيل صلاتها مع الـمرافىء وتـحسين طرق مواصلاتها حتى يسهل لها التصدير الذي تقوم به، فحتى الآن لم تلاقِ هذه البلدة الناهضة أية عناية فنية بجهودها الصناعية وحاجاتها التجارية. والطريق الوحيدة بين شتورة ومشغرة طريق ضيقة لا تصلح للنقل على كميونات كبيرة ولا تفي بأسباب السرعة التي تقتضيها حركة مشغرة الصناعية.
إنّ العناية بالصناعة القومية من أهم شروط التقدم وحفظ الاستقلال وحماية الرأسمال القومي. الصناعة، حيثما أمكن إنشاؤها، عامل من عوامل التحرر الاقتصادي.
وإنّ مثال مشغرة في الصناعة القومية لـمّما يجدر العناية به. والصناعة التي يحسن بالشعب تشجيعها هي تلك التي يشتغل فيها القوميون.
ومتى علمنا أنّ صناعة مشغرة هي تصديرية أيضاً، أمكننا تقدير الفوائد الكبيرة التي يـمكننا أن نـجنيها من تشجيع هذه البلدة الصناعية التي أصبحت مفخرة قومية ودليلاً حسياً على إمكان نهضة الأمة الاقتصادية.